كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


أشعر قوله لا بأس أي لا كراهة أن الأولى عدم زبره لعموم قوله تعالى ‏{‏وأما السائل فلا تنهر‏}‏ ولهذا قال الحريري‏:‏

ولا تزجر ذوي سؤال * لبني أم في السؤال حتف ‏[‏ص 365‏]‏

- ‏(‏قط في الأفراد‏)‏ عن إسماعيل الوراق عن الوليد بن الفضل عن عبد الرحمن بن حسين عن ابن جريج عن عطاء ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ثم قال الدارقطني تفرد به الوليد وهو يروي المناكير التي لا يشك أنها موضوعة انتهى وحكم ابن الجوزي بوضعه وتعقبه المؤلف بأن الديلمي رواه من طريق آخر ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه ضرار بن صرد وهو ضعيف وقال أبو حاتم صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به‏.‏

652 - ‏(‏إذا ركب أحدكم الدابة فليحملها‏)‏ أي فليسيرها أو فليسر بها ‏(‏على ملاذه‏)‏ بفتح الميم وخفة اللام وشد المعجمة بضبط المؤلف جمع ملذة بفتح الميم وهي موضع اللذة أي على ما يشتهي من نحو السرعة بحيث لا يضرها، وفي رواية ملاذها أي ليجرها في السهولة لا الحزونة وأصل اللذة سرعة المشي والذهاب ‏(‏فإن الله تعالى يحمل على القوي والضعيف‏)‏ أي اعتمد على الله وسير الدابة سيراً وسطاً في سهولة ولا تغتر بقوتها فترتكب العسف والعنف في تسييرها فإنه لا قوة لمخلوق إلا بالله ولا ينظر إلى ضعفها فيقعد مع القاعدين ويترك الحج والجهاد إشفاقاً من عدم طاقتها بل اعتمد على الله سبحانه وتعالى فهو الحامل وهو المعين‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد عن عمرو بن العاص‏)‏ بإسناد ضعيف‏.‏

653 - ‏(‏إذا ركبتم هذه الدواب‏)‏ وفي نسخة البهائم ‏(‏العجم‏)‏ بضم فسكون ‏(‏فانجوا عليها‏)‏ أي أسرعوا والنجاء بالمد والقصر السرعة أي اطلبوا النجاء من مفاوزكم بسرعة السير عليها سواء كانت سنة جدب أو لا إذ الطريق يطلب الإسراع في قطعه حيث المرعى موجود والقدرة حاصلة ثم فصل أحوال السير بقوله ‏(‏فإذا كانت سنة‏)‏ بالتحريك أي جدباء بحيث لم يكن في طريقكم ما ترعاه لو تأنيتم ‏(‏فانجوا‏)‏ أي أسرعوا أي زيدوا في الإسراع بحيث لا يضرها ‏(‏وعليكم بالدلجة‏)‏ بالضم والفتح أي الزموا سير الليل وأولج مخففاً سار من أول الليل ومشدداً من آخره ومنهم من جعل الإدلاج لليل كله ولعل المراد بقوله ‏(‏فإنما يطويها الله‏)‏ أي لا يطوي الأرض للمسافر فيها حينئذ إلا الله عز وجل إكراماً له حيث أتى بهذا الأدب الشرعي ‏(‏فإن قلت‏)‏ قد أمر بالنجاء على الدابة والأمر مطلق فكيف خصه بعد ذلك بما إذا كانت سنة‏؟‏ ‏(‏قلت‏)‏ أمر أولاً في شأنها بأمر واحد وهو السرعة عليها هبه في جدب أو خصب وأمر ثانياً فيما إذا كان جذب بأمرين السرعة والدلجة معاً قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز طوى الله عمره ويطوي الله لك البعيد وهو يطوي البلاد‏.‏

- ‏(‏طب عن عبد الله بن مغفل‏)‏ بضم الميم وفتح المعجمة وشد الفاء مفتوحة قال الهيتمي رجاله ثقات‏.‏

654 - ‏(‏إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها‏)‏ أي نصيبها ‏(‏من المنازل‏)‏ التي اعتيد النزول فيها أي أريحوها فيها لتقوى على السير ‏(‏ولا تكونوا عليها‏)‏ أي على الدواب ‏(‏شياطين‏)‏ أي لا تركبوها ركوب الشياطين أو لا تستعملوها استعمال الشياطين الذين لا يراعون الشفقة على خلق الله وفيه حث على الرفق بالدواب والنهي عن مخالفة ما أمر به الشرع‏.‏ والمنازل جمع منزل وهو موضع النزول‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد عن أبي هريرة‏)‏ ظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه ‏[‏ص 366‏]‏ الدارقطني خرجه وأقره ولا كذلك بل تعقبه بأن خارجة بن مصعب أحد رواته ضعيف وقال الذهبي واه‏.‏

655 - ‏(‏إذا زار‏)‏ أي قصد ‏(‏أحدكم أخاه‏)‏ في الدين للزيارة إكراماً له وإظهاراً لمودته وشوقاً للقائه ‏(‏فجلس عنده‏)‏ أي في محله والفاء سببية أو تعقيبية وفيها معنى الواو على وجه ‏(‏فلا يقومن حتى يستأذنه‏)‏ أي لا يقوم لينصرف إلا بإذنه لأنه أمير عليه كما في الخبر المار ولئلا يفوته ما عساه يشرع فيه من إكرامه بنحو ضيافة والأمر للندب وهذا من مكارم الأخلاق وحسن الإخاء، والزيارة عرفاً قصد المزور إكراماً له وإيناساً به وآدابها بضعة عشر أن لا يقابل الباب عند الاستئذان وأن يدقه برفق وأدب وأن لا يبهم نفسه كأن يقول أنا وأن لا يحضر في وقت غير لائق كوقت الاستراحة مع الأهل والخلوة بهم ويخفف الجلوس ويغض البصر ويظهر الرقة ويدعو بإخلاص ويقبل إكرام المزور ويوسع للمريض في الأجل ويطمعه في الحياة ولا يتكلم عنده بما يزعجه ويشير إليه بالصبر ويحذره من الجزع ويطلب منه الدعاء وما اعتيد من ختم مجلس الزيارة بقراءة الفاتحة فهو حسن‏.‏ قال بعضهم‏:‏ لكن لم يرد بخصوصه خبر ولا أثر وورد في الأثر أن السلف كانوا يتفرقون عن قراءة سورة والعصر‏.‏

- ‏(‏فر عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه من لا يعرف‏.‏

656 - ‏(‏إذا زار أحدكم أخاه‏)‏ في النسب أو الدين ‏(‏فألقى‏)‏ المزور للزائر يعني فرش ‏(‏له شيئاً يجلس عليه‏)‏ يقيه ‏(‏من التراب‏)‏ ونحوه ‏(‏وقاه الله‏)‏ تعالى ‏(‏عذاب النار‏)‏ دعاء أو خبر أي فكما وقى أخاه عما يشينه من الأقذار في هذه الدار إكراماً له يجازيه الله بالوقاية من النار جزاء وفاقاً والجزاء من جنس العمل لكن هذا يجب تنزيله على إنسان امتثل المأمورات وتجنب المنهيات لكن فرط منه صغائر فهذه هي التي يكون إكرام الزائر وقاية منها من النار أما مرتكب الكبائر فهيهات هيهات وكما يستحب للمزور إكرام الزائر بنحو بسط الفراش يندب للزائر قبول ذلك لما رواه البيهقي وغيره عن علي مرفوعاً لا يأبى الكرامة إلا حمار وصحح بعضهم وقفه‏.‏

- ‏(‏طب عن سلمان‏)‏ الفارسي رمز لضعفه وذلك لأن فيه سويد بن عبد العزيز متروك‏.‏

657 - ‏(‏إذا زار أحدكم قوماً‏)‏ مثلاً والمراد زار بعض إخوانه متعدداً أو واحداً ‏(‏فلا يصل بهم‏)‏ أي لا يؤمهم في منزلهم بغير إذنهم لأن رب الدار أولى بالتقدم ‏(‏وليصل بهم‏)‏ ندباً ‏(‏رجل منهم‏)‏ لأن أصحاب المنزل أحق بالإقامة فإن قدموه فلا بأس والمراد بصاحب المنزل مالك منفعته ولا ينافيه خبر من زار قوماً فليؤمهم لحمله على الإمام الأعظم‏.‏

- ‏(‏حم 3 عن مالك بن الحويرث‏)‏ مصغر الحارث الليثي من أهل البصرة له وفادة قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

658 - ‏(‏إذا زخرفتم مساجدكم‏)‏ أي حسنتموها بالنقش والتزويق قال الراغب‏:‏ الزخرف الزينة المزوقة ومنه قيل للذهب زخرف وفي الصحاح الزخرف الذهب ثم شبه به كل مموه مزوق ‏(‏وحليتم‏)‏ زينتم ‏(‏مصاحفكم‏)‏ بالذهب والفضة جمع مصحف مثلث الميم وأصله الضم كما في الصحاح لأنه مأخوذ من أصحف أي جمعت فيه الصحف أي الكتب ‏(‏فالدمار‏)‏ بفتح الدال المهملة مخففاً الهلاك‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ الدمار الهلاك المستأصل ‏(‏عليكم‏)‏ دعاء أو خبر فزخرفة المساجد وتحلية المصاحف منهي عنها لأن ذلك يشغل القلب ويلهي عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى والذي عليه الشافعية أن تزويق المسجد ولو الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقاً وبغيرهما مكروه ويحرم مما وقف عليه وأن تحلية ‏[‏ص 367‏]‏ المصحف بذهب يجوز للمرأة لا للرجل وبالفضة يجوز مطلقاً‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي وكذا ابن المبارك في الزهد ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ بإسناد ضعيف‏.‏

659 - ‏(‏إذا زلزلت‏)‏ أي سورتها ‏(‏تعدل‏)‏ تماثل وعدل الشيء بالكسر مثله من جنسه أو قدره وبالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه ‏(‏نصف القرآن وقل يا أيها الكافرون‏)‏ أي سورتها ‏(‏تعدل ربع القرآن‏)‏ لأن المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فعادلت نصفه ذكره القاضي ولأن القرآن كله يشتمل على أحكام الشهادتين في التوحيد والنبوة وأحوال النشأتين وذلك أربعة أقسام والكافرون مقصورة على التوحيد فهي ربع لتضمنها البراءة من الشرك والتدين بدين الحق وهذا هو التوحيد الصرف ‏(‏وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن‏)‏ لأن معاني القرآن آيلة إلى ثلاثة علوم علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق وتزكية النفس، والإخلاص تشمل على القسم الأشرف منها الذي هو كالأصل للأخيرين وهو علم التوحيد والتوحيد إثبات إلهية المعبود وتقديسه ونفي ما سواه، وقد صرحت الإخلاص بالإثبات والتقديس ولوحت إلى نفي عبادة غيره، والكافرون صرحت بالنفي ولوحت بالإثبات والتقديس وبين المرتبتين من التصريحين والتلويحين ما بين الثلث والربع قال التوربشتي‏:‏ ونحن وإن سلكنا هذه المسالك بمبلغ علمنا نعتقد أن شأن ذلك على الحقيقة وإنما يتلقى عن الرسل فإن ذلك ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم فأما القول الذي تحوم حوله على مقدار فهمنا وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال انتهى، وأخذ بعضهم بظاهر الحديث فقال‏:‏ معناه إن ثواب قراءتها مضاعفة بقدر ثواب قراءة نصفه وربعه وثلثه لكن قراءة جميع القرآن له بكل حرف عشر حسنات وهذا بغير تضعيف‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وقوله بغير تضعيف لا دلالة عليه وحديث مسلم يدل للإطلاق‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ واستغربه ‏(‏ك هب عن ابن عباس‏)‏ قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي في التلخيص بأن فيه يمان بن المغيرة ضعفوه وقد قال الترمذي لا يعرف إلا من حديثه وفي المغني هو واه بمرة وفي الميزان منكر وقال المناوي ليس الأمر كما زعم الحاكم بل ضعيف وفي الفتح فيه يمان وهو ضعيف عندهم‏.‏

660 - ‏(‏إذا زنى العبد‏)‏ أي أخذ في الزنا ‏(‏خرج منه الإيمان‏)‏ أي نوره أو كماله ‏(‏فكان على رأسه كالظلة‏)‏ بضم الظاء وشد اللام السحابة فلا يزول حكمه ولا يرتفع عنه اسمه ما دام فيه لأن للإيمان أنواراً في القلب وآثاراً في الجوارح فيقبل عند مقارفة المعاصي ويظلم عند التلبس بالذنوب والمؤمن لا يزني إلا إذا استولى شبقه واشتعلت شهوته بحيث تغلب إيمانه وتشغله عنه فيصير في تلك الحالة كالفاقد للإيمان لا يرتفع عنه اسمه ولا يزول حكمه بل هو في كنف رعايته وظل عصمته والإيمان مظل عليه كالظلة وهي أول سحابة تظل على الأرض فإذا فرغ منه زال الشبق المعاوق عن الثبات على ما يأمره إيمانه والموجب لذهوله ونسيانه عاد الإيمان وأخذ في القوة والازدياد كما قال ‏(‏فإذا أقلع‏)‏ أي نزع عن المعصية وتاب منها توبة صحيحة بشروطها ومنها أن يستحل حليل المزني بها على ما قيل لكنه عليل بل القويم اغتفاره لما يترتب على أعماله به من المفاسد ‏(‏رجع إليه‏)‏ الإيمان أي نوره وكماله فالمسلوب اسم الإيمان المطلق لا مطلق الإيمان ولا يلزم من ثبوت جزء من الإيمان أن يسمى مؤمناً كما أن من يكون معه جزء من الفقه لا يسمى فقيهاً فكذا يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقياً فالحديث على ظاهره ولا ملجئ لتأويله وأما ما هنا من المحامل كحمله على ‏[‏ص 368‏]‏ المستحل أو أنه خرج مخرج الزجر والتنفير أو على الحياء أو نزع اسم المدح فرخصة ووصف الإيمان بالخروج والدخول مجاز استعمل هنا على وجه الاستعارة والتشبيه‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ في السنة ‏(‏ك‏)‏ في الإيمان ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال العراقي في أماليه صحيح‏.‏

661 - ‏(‏إذا سأل أحدكم‏)‏ ربه ‏(‏الرزق‏)‏ أي إذا أراد سؤال الرزق أي طلبه من الرزاق ‏(‏فليسأل‏)‏ ربه أن يعطيه الشيء ‏(‏الحلال‏)‏ أي القوت الجائز تناوله وأن يبعده عن الحرام فإنه يسمى رزقاً عند الأشاعرة خلافاً للمعتزلة فإذا أطلق سؤال الرزق شمله أو المراد إذا طلب أحدكم من الناس التصدق عليه فلا يطلب إلا ممن يغلب على ظنه أنه إنما يعطيه من الحلال أو المراد يسأل سؤالاً فلا يلح في المسألة ولا يكلف المسؤول ما لا يقدر عليه ولا يؤذيه‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي سعيد‏)‏ بإسناد ضعيف‏.‏

662 - ‏(‏إذا سأل أحدكم ربه مسألة‏)‏ مصدر ميمي بمعنى اسم المفعول أي طلب شيئاً منه ‏(‏فتعرف‏)‏ بفتحتين ثم راء مشددة ‏(‏الإجابة‏)‏ أي تطلبها حتى عرف حصولها بأن ظهرت له أمارة الإجابة من نحو قشعريرة وبكاء وأنس ‏(‏فليقل‏)‏ ندباً شكراً لله عليها ‏(‏الحمد لله الذي بنعمته‏)‏ أي بكرمه وفضله ومنته ‏(‏تتم‏)‏ تكمل ‏(‏الصالحات‏)‏ أي النعم الحسان التي من جملتها حصول المسؤول أو قربه ‏(‏ومن أبطأ‏)‏ أي تأخر ‏(‏عنه‏)‏ فلم يسرع إليه ‏(‏ذلك‏)‏ أي تعرف عدم الإجابة ‏(‏فليقل‏)‏ ندباً ‏(‏الحمد لله على كل حال‏)‏ أي كل كيف من الكيفيات التي قدرها الله فإن أحوال المؤمن كلها خير وقضاء الله بالسراء والضراء رحمة ونعمة ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من فرحه بالسراء وهو أعلم بما يصلح به عبده ونبه بهذا الحديث على أن على العبد أن يحمد الله على السراء والضراء وعلى أن للصابرين حمداً يخصهم وهو الحمد لله على كل حال وأن للشاكرين حمداً يخصهم وهو الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات‏.‏ وهكذا كان هديه وعادته يحمد الله على السراء والضراء بما ذكر‏.‏ والتأسي به أولى من أن يستنبط حمداً آخر فإنه لا أعلى مما وضعه العالم الأكبر الأكمل الذي شهد له الحق تعالى بالعلم وأكرمه بختم النبوة وزعامة الرسالة‏.‏

- ‏(‏هق‏)‏ في الدعوات ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وللحاكم نحوه من حديث عائشة قال الحافظ العراقي وإسناده ضعيف‏.‏

663 - ‏(‏إذا سألتم الله تعالى‏)‏ أي أردتم سؤاله ‏(‏فاسألوه الفردوس‏)‏ لفظ سرياني أو رومي أو قبطي ‏(‏فإنه سر الجنة‏)‏ بكسر السين وشدّ الراء‏:‏ أفضل موضع فيها والسر جوف كل شيء ولبه خالصه والمراد أنه وسط الجنة وأوسعها وأعلاها وأفضلها والوسط أبعد من الخلل والآفات من الأطراف‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ والجبة مقببة أعلاها أوسعها وكلما علت اتسعت وهذا الحديث ورد بألفاظ أخر منها ما في الصحيحين إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلا الجنة أي في الارتفاع وفوقه عرش الرحمن واستشكل بخبر أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً إذا صليتم عليّ فاسألوا الله لي الوسيلة أعلى درجة في الجبة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو وفي حديث آخر الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فاسألوا الله لي الوسيلة فقضيته أن الوسيلة أعلى درجات الجنة وهي خاصة به فهي أعلى الفردوس وجمع بأن الفردوس أعلى الجنة وفيه درجات أعلاها الوسيلة ولا مانع من انقسام الدرجة الواحدة إلى درجات بعضها أعلى من بعض، ثم إن مما ذكر من الأمر بسؤال الفردوس لا يعارضه خبر إذا سألتم الله فاسألوه العفو والعافية لأن المراد السؤال لكل مطلوب لكن الأول أخروي والثاني عام‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن العرباض‏)‏ ‏[‏ص 369‏]‏ بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها موحدة وأخرى معجمة ابن سارية السلمي أبي نجيح صحابي كوفي قال الهيتمي ورجاله وثقوا انتهى وبه يعلم أن رمز المؤلف لحسنه تقصير وحق الرمز لصحته وظاهر صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه ولا كذلك بل بقيته عند مخرجه الطبراني عليك بسر الوادي فإنه أمرعه وأعشبه انتهى بلفظه‏.‏ والحديث رواه البخاري أي بلفظ إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن‏.‏

664 - ‏(‏إذا سألتم الله تعالى‏)‏ جلب نعمة ‏(‏فاسألوه ببطون‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الباء للآلة ويجوز كونها للمصاحبة كما مر ‏(‏أكفكم‏)‏ لا بظهورها فإنه غير لائق بالأدب ولذلك زاد الأمر تأكيداً بتصريحه بالنهي عن ضده فقال ‏(‏ولا تسألوه بظهورها‏)‏ وذلك لأن من عادة من طلب شيئاً من غيره أن يمد بطن كفه إليه ليضع النائل فيها كما مر ولأن أصل شرعية الدعاء إظهار الانكسار بين يدي الجبار والثناء عليه بمحامده والاعتراف بغاية الذلة والمسكنة وذلك ابتهال قولي ولا بد في كمال إظهار الانكسار والافتقار من ضم الابتهال الفعلي إليه وذلك بمد بطن الكف على سبيل الضراعة إليه ليصير كالسائل المتكفف لأن يملأ كفه بما يسد به حاجته ولا ينافيه خبر أن المصطفى صلى الله عليه وسلم استسقى وأشار بظهر كفه إلى السماء لأن معناه رفعها رفعاً تاماً حتى ظهر بياض إبطيه وصارت كفاه محاذيتين لرأسه ملتمساً إلى أن يغمره برحمته وذلك لمساس الحاجة إلى الغيث عند الجدب ‏{‏وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد‏}‏ أما لو دعى بدفع نقمة فبظهورها كما في أخبار كثيرة‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الدعاء ‏(‏عن مالك بن يسار السكوني‏)‏ بفتح المهملة وضم الكاف وسكون الواو آخره نون نسبة إلى السكون بطن من كندة نسب إليها خلق كثير منهم هذا وهو العوفي يعد في الشاميين‏.‏ قال في المنار‏:‏ ولا يعرف له غير هذا الحديث كما قال ابن السكن لكنه ثقة لكن فيه ضمضم الحضرمي ضعفه أبو زرعة ووثقه غيره ‏(‏ه هب ك‏)‏ في الدعاء ‏(‏عن ابن عباس وزاد‏)‏ أي الحاكم في رواية عنه ‏(‏فامسحوا بها وجوهكم‏)‏ أي في غير القنوت فلا يمسح وجهه فيه كما في سنن البيهقي قال لأنه لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس وأما الصدر فلا يندب مسحه قطعاً بل نص جمع على كراهته ذكره في الروضة وفيه رد على ابن عبد السلام في قوله لا يمسح وجهه إلا جاهل ومن ثم قيل هي هفوة من عظيم وقد رمز المؤلف لحسنه وإنما لم يصح لأن فيه من الطريق الأولى من ذكر ومن طريق الحاكم سعيد بن هبيرة اتهمه ابن حبان ولهذا ردّ الذهبي على الحاكم تصحيحه‏.‏

665 - ‏(‏إذا سئل‏)‏ بالبناء للمفعول بضبط المؤلف ‏(‏أحدكم أمؤمن هو فلا يشك في إيمانه‏)‏ أي فلا يقل مؤمن إن شاء الله لأنه إن كان للشك فهو كفر لا محالة أو للتبرك والتأدّب وإحالة الأمور على مشيئته تعالى أو للشك في العاقبة والمآل لا في الآن والحال أو للتبرئ عن تزكية نفسه والاعجاب بحاله فالأولى تركه عند الجمهور ومنعه الحنفية لإيهامه الشك في التأخر‏.‏ قال التفتازاني‏:‏ والحق أنه لا خلاف في المعنى لأنه إن أريد بالإيمان مجرد حصول المعنى فهو حاصل حالاً وما يترتب عليه النجاة والثمران فهو من مشيئة الله ولا قطع بحصوله حالاً‏.‏

- ‏(‏طب عن عبد الله بن زيد الأنصاري‏)‏ الأوسي ثم الخطمي كوفي شهد الحديبية قال الهيتمي وفيه أحمد بن بديل وثقه النسائي وضعفه أبو حاتم أي فالحديث حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه‏.‏

666 - ‏(‏إذا سافرتم‏)‏ خص السفر لقضية السبب ةالحكم عام ‏(‏فليؤمكم‏)‏ ندباً والصارف عن الوجوب الاجماع ‏(‏أقرؤكم‏)‏ ‏[‏ص 370‏]‏ يعني أفقهكم والأقرأ من الصحب كان هو الأفقه فلا حجة فيه لأبي حنيفة وأحمد في تقديم الأقرأ على الأفقه ‏(‏وإن كان أصغركم‏)‏ سناً وفيه حث على الجماعة حتى للمسافر ولا يسقط طلبها بمشقة السفر وأن الإمامة أفضل من الأذان وعليه الرافعي قيل وصحة إمامة الصبي وهو في حيز المنع إذ الظاهر من الحديث المراد تقدم الأقرأ على الأسن على أن تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال ‏(‏وإذا أمكم‏)‏ بالتشديد أي كان أحق بإمامتكم فهو أميركم أي فهو أحق بالآمرية المأمور بها في السفر على بقية الرفقة لأن من ارتضى لأمر الدين أحق بالتقدم في أمر الدنيا بالأولى فمحصول ذلك أن الأقرأ أحق بالإمامة على غيره وإن كان أسن‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال في المطامح حديث حسن لا بأس برواته وقال الهيتمي في موضع إسناده حسن وفي آخر فيه من لم أعرفه انتهى وقد رمز المؤلف لحسنه‏.‏

667 - ‏(‏إذا سافرتم في الخصب‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وسكون المهملة زمن كثرة النبت والعلف ‏(‏فأعطوا الإبل‏)‏ ونحوها من الخيل والبغال والحمير وخص الإبل لأنها غالب مراكب العرب ‏(‏حظها‏)‏ أي نصيبها ‏(‏من الأرض‏)‏ أي من نباتها بأن تمكنوها من الرعي في بعض النهار وفي أثناء السير جعله حظاً لأن صاحبها إذا أحسن رعيها سمنت وحسنت في عينه فينفس بها ولم ينحرها ذكره الزمخشري وفي رواية بدل حظها حقها قال القاضي‏:‏ حظها من الأرض رعيها فيها ساعة فساعة ‏(‏وإذا سافرتم في السنة‏)‏ بفتح المهملة الجدب والقحط وانعدام النبت أو قلته ‏(‏فأسرعوا عليها السير‏)‏ لتصل المقصد وبها بقية من قوتها لفقد ما يقويها على السير‏.‏ قال القاضي‏:‏ معناه إذا كان الزمان زمان قحط فأسرعوا السير عليها ولا تتعوقوا في الطريق لتبلغكم المنزل قبل أن تضعف وقد صرح بهذا في رواية أخرى وهي إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها وأسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقى وهو المخ ‏(‏وإذا عرستم‏)‏ بالتشديد نزلتم ‏(‏بالليل‏)‏ أي آخره لنحو نوم واستراحة والتعريس نزول المسافر للاستراحة آخر الليل ‏(‏فاجتنبوا الطريق‏)‏ أي اعدلوا وأعرضوا عنها وانزلوا يمنة أو يسرة ‏(‏فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام‏)‏ أي محل ترددها ‏(‏بالليل‏)‏ لتأكل ما فيه من الرمة وتلتقط ما سقط من المارة من نحو مأكول فينبغي التعريج عنها حذراً من أذاها‏.‏

ما جرى عليه المؤلف من سياقه الحديث هكذا هو ما وقع لبعضهم وقد سقط منه شيء فإما أن يكون سقط في بعض الروايات وإما من قلمه سهواً والذي عزاه النووي في رياضه إلى مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ما نصه إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طريق الدواب ومأوى الهوام باللبل انتهى‏.‏ قال النووي‏:‏ قوله نقيها بكسر النون وسكون القاف فمثناة تحت أي مخها ومعناه أسرعوا حتى تصلوا قصدكم قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعب وفيه حث على الرفق بالدواب ورعاية مصلحتها وحفظ المال وصيانة الروح والتحذير من المواضع التي هي مظنة الضرر والأذى ويكره النزول بالطريق نهاراً أيضاً وخص الليل لأنه أشد كراهة والهوام جمع هامة ما له سم يقتل كحية وقد يطلق على ما لا يقتل كالحشرات على الاستعارة بجامع الأذى‏.‏

- ‏(‏م د ت عن أبي هريرة‏)‏ الدوسي رضي الله عنه‏.‏

668 - ‏(‏إذا سبب الله تعالى‏)‏ أي أجرى وأوصل وأصل السبب حبل يتوصل به إلى الماء فاستعير لكل ما يتوصل به إلى شيء ‏(‏لأحدكم رزقاً من وجه‏)‏ أي حال من الأحوال ‏(‏فلا يدعه‏)‏ أي لا يتركه ويعدل لغيره ‏(‏حتى يتغير‏)‏ في ‏[‏ص 371‏]‏ رواية يتنكر ‏(‏له‏)‏ أي يتعسر عليه ويجد عليه موانع سماوية وحواجر إلهية فإذا صار كذلك فليتحول لغيره أي الرزق فإن أسباب الرزق كثيرة فالواجب على المتأدب بآداب الله ترك الاعتراض على الحال فلا يريد خلاف ما يراد له ولا يختار خلاف ما يختاره له ‏{‏وربك يخلق ما يشاء ويختار‏}‏ قال في الحكم‏:‏ إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية وسوابق الهمم لا تخرق سور الأقدار أرح نفسك من التقدير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك وما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يحدث في الوقت شيئاً غير ما أظهره الله لا تطلب منه أن يخرجك من حال ليستعملك فيما سواها فلو أراد لاستعملك من غير إخراج وقد خلقك الله لما شاء لا لما تشاء فكن مع مراد الله فيك لا مع مرادك لنفسك ففوض إليه ولا تركن إلى شيء ولا تدبر شيئاً وإن كان ولا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر وهو أقامك فيما فيه صلاحك لا فيما علمت أنت‏.‏

- ‏(‏حم ه‏)‏ من حديث الزبير بن عبد الله عن نافع ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال نافع كنت أتجهز إلى الشام ومصر فتجهزت إلى العراق فنهتني أم المؤمنين وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره رمز لحسنه والأمر بخلافه فالزبير قال الذهبي لا يعرف وقال العراقي إسناده فيه جهالة وقال السخاوي ضعيف‏.‏

669 - ‏(‏إذا سبقت للعبد من الله منزلة‏)‏ أي إذا منحه في الأزل مرتبة متعالية في الآخرة ‏(‏لم ينلها بعمله‏)‏ لقصوره عن إبلاغه إياها لضعفه وقلته وسموها ورفعتها ‏(‏ابتلاه الله في جسده‏)‏ بالأسقام والآلام ‏(‏وفي أهله‏)‏ بالفقد أو عدم الاستقامة وتلوينهم عليه، والواو فيه وفيما بعده بمعنى أو في حق البعض وعلى بابها في حق البعض ‏(‏وماله‏)‏ لفقد أو غيره وأعاد في الأهل لموازنته بالجسد وحذفه من المال لقصور رتبته عنهما لإمكان تعويضه ‏(‏ثم صبره‏)‏ بشد الموحدة بضبط المؤلف أي ألهمه الصبر ‏(‏على ذلك‏)‏ أي ما ابتلاه ‏(‏حتى ينال‏)‏ بسبب ذلك ‏(‏تلك المنزلة‏)‏ وفي رواية حتى يبلغه المنزلة قال الطيبي‏:‏ حتى هنا يجوز أن تكون للغاية وأن تكون بمعنى كي وفيه إشعار بأن للبلاء خاصة في نيل الثواب ليس للطاعة وإن جعلت مثلها ولذلك كان ما يصيب الأنبياء أشد البلاء ‏(‏التي سبقت له من الله عز وجل‏)‏ أي التي استوجبها بالقضاء الأزلي واستحقها بالحكم القديم الإلهي وبالحقيقة التعويل إنما هو على ذلك السبق فمن سبق في علمه أنه سعيد فهو سعيد وعكسه بعكسه والخاتمة ناشئة عن السابقة، روى البيهقي والحاكم أن موسى مر برجل في متعبد له ثم مر به بعد وقد مزقت السباع لحمه فرأس ملقى وفخذ ملقى وكبد ملقى فقال يا رب كان يطيعك فابتليته بهذا فأوحى الله إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فابتليته لأبلغه تلك الدرجة انتهى‏.‏ والمقصد بالحديث الإعلام بفضل البلاء وأنه مظنة لرفع درجات العبد وإن قلّ عمله وإلا فقد يعطي الله من شاء ما شاء من رفيع المنازل وإن لم يعمل بالكلية بل له تعذيب الطائع وإثابة العاصي ولا يسأل عما يفعل وقد استدل بهذا في المفهم وغيره على أن مجرد حصول المرض أو غيره مما يترتب عليه التكفير لا يكفي إلا إن انضم إليه الصبر ورد بأن الأحاديث الواردة بالتقييد إما ضعيفة فلا يحتج بها أو مقيدة بثواب مخصوص كما في هذا الحديث فاعتبار الصبر فيه إنما هو لحصول ذلك الثواب الخاص‏.‏

- ‏(‏تخ د في رواية ابن داسة وابن سعد‏)‏ في طبقاته ‏(‏ع‏)‏ وكذا البيهقي في الشعب ‏(‏عن محمد بن خالد السلمي‏)‏ البصري ‏(‏عن أبيه‏)‏ خالد البصري قال الذهبي صدوق مقل ‏(‏عن جده‏)‏ عبد الرحمن بن جناب السلمي الصحابي كذا في الكاشف وقد خفي على الصدر المناوي فقال لم أقف لجده على اسم ولا لهذا الحديث في نسخة سماعنا عن أبي داود وذكره في الأطراف انتهى وإلى رده أشار المؤلف بقوله في رواية ابن داسة فإنه ليس في سنن أبي داود في جميع الروايات ‏[‏ص 372‏]‏ بل في رواية ابن داسة فقط ولم يطلع عليها فنفاه ثم إن المؤلف رمز لحسنه وقال ابن حجر في الفتح‏:‏ رواه أحمد وأبو داود ورجاله ثقات إلا أن خالداً لم يرو عنه غير ابنه محمد وأبوه اختلف في اسمه لكن إبهام الصحابة لا يضر هذا كله في الفتح وقضيته تصحيح الحديث لكنه قال في التقريب محمد مجهول وخالد صدوق يخطئ فاقتضى كلامه تضعيفه والأوجه ما جرى عليه المؤلف من حسنه‏.‏

670 - ‏(‏إذا سبك‏)‏ أي شتمك ‏(‏رجل‏)‏ يعني إنسان ‏(‏بما يعلم منك‏)‏ من النقائص والمعايب معيراً لك بذلك قاصداً أذاك ‏(‏فلا تسبه‏)‏ أنت ‏(‏بما تعلم منه‏)‏ من ذلك يعني إذا شتمك وعيرك بما فيك فلا تكافئه بشتمه ولا تعيره بما فيه وعلله بقوله ‏(‏فيكون أجر ذلك‏)‏ السب ‏(‏لك‏)‏ بتركك لحقك وعدم انتصارك لنفسك وكف عن مقابلته بما يستحقه من إذاعة نقائصه ومواجهته بها واحتمل أذاه ‏(‏و‏)‏ دعه يكون ‏(‏وباله‏)‏ أي سوء عاقبته في الدنيا والآخرة ‏(‏عليه‏)‏ ‏{‏وما الله بغافل عما تعملون‏}‏ ولله در القائل‏:‏

لا تهتكن من مساوي الناس ما سترا * فيهتك الله ستراً عن مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا * ولا تعب أحداً منهم بما فيكا

- ‏(‏ابن منيع‏)‏ في معجمه وكذا الديلمي ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ رمز لحسنه وهو كما قال أو أعلى إذ ليس في روايته مجروح‏.‏

671 - ‏(‏إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب‏)‏ بالمد بوزن أفعال جمع إرب بكسر فسكون العضو ‏(‏وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه‏)‏ وجهه بالرفع مع ما عطف عليه بدل من سبعة بدل كل من كل وفيه أن أعضاء السجود سبعة فلا بد لوجود صورته الشرعية في الوجود من وضع بعض الجبهة على مصلاه ويجب مع ذلك وضع بعض بطن كفيه من ركبتيه وقدميه فلو لم يفعل لم تصح صلاته كما اقتضاه هذا الحديث وهو المفتي به عند الشافعية والسجود في الأصل تذلل مع تطامن وشرعاً وضع الجبهة على قصد العبادة‏.‏

- ‏(‏حم م 4 عن العباس‏)‏ بن عبد المطلب ‏(‏عبد‏)‏ بغير إضافة ‏(‏ابن حميد‏)‏ مصغراً ابن نضر قيل اسمه عبد الحميد ثقة حافظ ‏(‏عن سعد‏)‏ ابن أبي وقاص‏.‏

672 - ‏(‏إذا سجد العبد‏)‏ أي الإنسان ‏(‏طهر‏)‏ بالتشديد أي نظف ‏(‏سجوده ما تحت جبهته إلى سبع أرضين‏)‏ بفتح الراء أي أزال عنها الأدناس والعيوب على ما اقتضاه هذا الحديث وظاهره من المشكلات والله أعلم بمراد رسوله وحمل الطهارة فيه على إفاضة الرحمة والبركة على ما وقع السجود عليه ينافيه ما ذكر في سبب الحديث عند مخرجه الطبراني وكذا ابن عدي وغيره أن عائشة قالت كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي في الموضع الذي يبول فيه الحسن والحسين فقلت ألا تخص لك مكاناً من الحجرة أنظف من هذا‏؟‏ فقال يا حميراء ما علمت أن العبد إذا سجد فذكره بتمامه، وقولها أنظف يدل على أن المراد الطهارة اللغوية وهي النظافة فالمراد أن تلك البقعة وإن كانت مستقذرة فالشرف الحاصل لها بالسجود يجبر ذلك الاستقذار والله أعلم بحقيقة الحال وفيه أن الأرضين سبعة كالسماوات‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وكذا ابن عدي والديلمي والحاكم ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال الحافظ الهيتمي وغيره فيه بزيغ متهم بالوضع وقال ابن الجوزي موضوع وفي الميزان يزيغ متهم قال ابن حبان يأتي عن الثقات بموضوعات كأنه المعتمد لها ثم ساق له هذا الحديث وجزم جمع آخرون بوضعه‏.‏

‏[‏ص 373‏]‏ 673 - ‏(‏إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير‏)‏ أي لا يقع على ركبتيه كما يقع البعير عليهما حين يقعد ‏(‏وليضع يديه‏)‏ أي كفيه ‏(‏قبل أن يضع ركبتيه‏)‏ لأنه أحسن في الخضوع وأفخم في الوقار وبه أخذ مالك‏.‏ وذهب الأئمة الثلاثة إلى عكسه تمسكاً بفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم له في حديث الترمذي عن وائل قال الخطابي‏:‏ وهو أثبت من حديث تقديم اليدين وأرفق بالمصلي وأحسن شكلاً بل قال ابن خزيمة أن حديث تقديم اليدين منسوخ بخبر سعد كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين‏.‏

- ‏(‏د عن أبي هريرة‏)‏ رمز المؤلف لصحته اغتراراً بقول بعضهم سنده جيد وكأنه لم يطلع على قول ابن القيم وقع فيه وهم من بعض الرواة وأوله يخالف آخره فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير إذ هو يضع ركبتيه أولاً وزعم أن ركبتي البعير في يديه لا في رجليه لا يعقل لغة ولا عرفاً على أن الحديث معلول بيحيى بن سلمة بن كهيل ولا يحتج به قال النسائي متروك وابن حبان منكر جداً وأعله البخاري والترمذي والدارقطني بمحمد بن عبد الله بن حسن وغيره‏.‏

674 - ‏(‏إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه‏)‏ أي بباطنهما ‏(‏لأرض‏)‏ فيضعهما والأولى كونهما مكشوفتين على مصلاه ‏(‏عسى الله تعالى‏)‏ هي من المخلوق للترجي ومن الله واجب وأتى بها ترغيباً فيما ذكر ‏(‏أن يفك‏)‏ أي يخلص ويفصل ورأيت في معجم الطبراني بدله يكف والفك أنسب ‏(‏عنه الغل‏)‏ بالضم الطوق من حديد يجعل في العنق واليدين ‏(‏يوم القيامة‏)‏ أي من فعل ذلك يرجى أن يغفر الله له ما فرط من الذنوب الموجبة لجعل الغل في عنقه يوم القيامة لأنه لما أطلق يديه وبسطهما في السجود جوزي بإطلاقهما يوم المعاد جزاءاً وفاقاً والمباشرة الإفضاء بالبشرة، والفك التخليص والإطلاق والإزالة ونبه بذلك على وجوب وضع جزء من بطن الكف في السجود وكذا يجب وضع شيء من الجبهة والركبتين وأصابع القدمين لقوله في الحديث الآتي أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ سكت عليه فأوهم أنه لا علة فيه وليس كذلك فقد أعله جمع بعبيد بن محمد المحاربي قال ابن عدي له مناكير قال الهيتمي وهذا منها‏.‏

675 - ‏(‏إذا سجد أحدكم فليعتدل‏)‏ أي فليتوسط بين الافتراش والقبض في السجود بوضع كفيه على الأرض ورفع ذراعيه وجنبيه عنها لأنه أمكن وأشد اعتناء بالصلاة وفيه أنه يندب أن يجافي بطنه ومرفقيه عن فخذيه وجنبيه لكن الخطاب للرجال كما دل عليه تعبيره بأحدكم أما المرأة فتضم بعضها لبعض لأن المطلوب لها الستر ‏(‏ولا يفترش‏)‏ بالجزم على النهي أي المصلي ‏(‏ذراعيه‏)‏ بأن يجعلها كالفراش والبساط ‏(‏افتراش الكلب‏)‏ لما فيه من شوب استهانة بالعبادة التي هي أفضل العبادات فإن فعل كان مسيئاً مرتكباً لنهي التنزيه والكلب كل سبع عقور وغلب على هذا النائح وصرف هذا عن الوجوب خبر أبي داود شكوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم مشقة السجود إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب أي بوضع المرفقين على الركبتين كما فسره ابن عجلان أحد رواته وخبر ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد‏.‏

- ‏(‏حم ت ه وابن خزيمة‏)‏ في صحيحه ‏(‏والضياء‏)‏ في المختارة ‏(‏عن جابر‏)‏ ابن عبد الله قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

676 - ‏(‏إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك‏)‏ بكسر الميم عن جنبيك وعن الأرض لأنه أشبه بالتواضع وأبعد من هيئة الكسالى وهذا مندوب للرجال كما تقرر‏.‏